Tuesday, September 25, 2007

سؤال المليون دمار: هل تشن الحرب؟


05/09/2007 22:01

كما يبدو لا يكل نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ولا يمل عندما يتعلق الأمر بشن الحرب على إيران. ومن المعروف أنه كان أحد مصممي تحويل نقمة الرأي العام الأميركي على تنظيم القاعدة والإسلام المتطرف وأفغانستان وطالبان نحو بلد ليس ذا علاقة وهو العراق. وحتى في حينه وجد في إسرائيل سياسيون مثابرون لم يمانعوا أن تشن الحرب على العراق طبعا، ولكنهم آثروا شنها على إيران وعبروا عن رأيهم بصوت عال، إذا كان الخنجر قد سحب ولن يعاد إلى غمده "قبل أن يذوق الدم" (كما يقال في اليمن)، وإذا لم يكن بد من حرب سوف تشن دون علاقة مثبتة بالقاعدة، فلتكن إذا ضد إيران التي تكفرها القاعدة أصلا. وكتبنا عن ذلك في حينه. كان العراق برأيهم قد تحول بفعل الحصار المستديم إلى جثة سياسية عسكرية لا تشكل خطرا على إسرائيل، أما إيران فخطر استراتيجي. وطبعا كانت استراتيجية التدخل الأميركي العسكري ضد العراق القائمة على نفي عروبته واعتماد تقارير عربية "معتدلة" حول ضرورة دك أنظمة من الخارج أمرا مستحبا إسرائيليا من حيث المبدأ، وتطبيقا لنظرية إسرائيلية مفادها أن جوهر الصراع في المنطقة هو طبيعة الأنظمة العربية... ولن نطيل هنا، فهذا موقف يجب أن يسمع ويناقش إذ يقوله ديمقراطي عربي وليس إذا نطقت به إسرائيل. ولا شك أن بناء استراتيجية التدخل الأميركية تأخذ بعين الاعتبار حاجات إسرائيل وحلفاء أميركا العرب، وليس الموقف الديمقراطي العربي الخاطئ أو الصحيح.

ولأن التدخل في العراق آل إلى ما آل إليه من فتح أبواب جهنم المجتمعات على مصراعيها بعد كسر أقفال الدولة عنها، ولأن نظريات المحافظين الجدد قد آلت إلى غير مآلاتها بفعل طحن المجتمع العراقي لها ولذاته، فإننا نصادف هذا التساؤل التخميني الطابع: هل تشن أميركا الحرب على إيران أم لا؟ يقف العراق ومقاومته من وراء عدم يقينية الإجابة على السؤال، وذلك على الرغم من أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يعمل بمثابرة على مدار الساعة وفي مسألة التسلح الإيراني تحديدا طيلة الأعوام الماضية، ومؤخرا بتقاطع مع لوبيات عربية "أد هوك"، أي في تحالفات لغرض واحد محدد، وعلى الرغم من إثارة الرعب من "القنبلة الإسلامية". وهو رعب لا نذكره في حالة إعلان الباكستان الإسلامية عن امتلاكها السلاح النووي، ربما لأن تلك القنبلة لم تنتج لتوازن تسلحا نوويا إسرائيليا. أما اللوبي العربي فيضم أناسا مقتنعين قناعة تامة ويقدمون النصائح بضرورة محاصرة أو ضرب أي محور يعرقل الانسجام "الطبيعي" للمنطقة في السياسات الأميركية، وآخرين نافرين فعلا من الشيعية وخطر التشيع، ويؤمنون فعلا بوجود مثل هذه الخطر وبينهم حكام، ويستغل الأولون مخاوف الأخيرين. لم أصدق في الماضي أن لمسألة الخوف من التشيع فاعلية على غير المستوى الجماهيري المعرّض والمكشوف لصناعات الهويات، ولم اعتقد أنه يؤثر حتى على حاكم واحد. وربما تعود هذه الريبية لتربية فكرية عقلانية من نوع معين (يساري في حالة كاتب هذه المقالة) ترفض أن مصائر الدول وسياستها قد تحدد نتيجة لمخاوف غير عقلانية من هذا النوع.

على كل حال نعود إلى السؤال: هل من حرب قادمة؟
النتائج الممكنة المترتبة عن مثل هذه الحرب وإسقاطاتها إضافة إلى تجربة العراق، لا تشي بل تزعق بالعكس. ويمكن تعداد ووصف إسقاطات على أفغانستان والعراق ودول الخليج ولبنان وإسرائيل. ويفترض حتى بمن لا يتمتع بخيال جامح أن يتوقع كوارث. حتى أميركا تتحدث عن تحول الجنود الأميركيين إلى رهائن في العراق.

ولكن انسحابا من العراق دون إضعاف إيران أو التفاهم معها، على الأقل مساومةً، بعد ضربة توجه لها سيحول العراق بأكمله رهينة لإيران. هكذا يجيب من يؤيدون الحرب رافضين حتى تخيل انسحاب من العراق بينما إيران على هذه المكانة والقوة. والإيرانيون لا يفندون هذه الرغبية بالسيطرة على العراق، ولا حتى لتهدئة خواطر العرب. ويبدو لي أحيانا أنهم يعيشون في عالم آخر، ولا بد أن في هذا العالم الآخر الذي يعيشون فيه أجنحة وتيارات تتصارع على صنع القرار، من بينها المؤيد للهيمنة على العراق ثأرا وتأكيدا للوطنية الفارسية أو انتقاما تاريخيا شيعيا بعد احتكار قرون لدور الضحية وتحويل الندب والبكاء غلى شعائر وطقوس وتذكر ما جرى للحسين عليه السلام لعصر الدموع بعد وفاة أي شخص في الحي، ومنهم من فك هذه العقد ويفكر بمفاهيم هيمنة ومصالح دولة إقليمية، ومنهم من يرغب فعلا بالتحالف مع العرب على أساس إسلامي حضاري إن لم يكن سياسيا معاديا لأميركا وإسرائيل. ثم هنالك "الخطر النووي"، وهل يمكن أن تقبل الولايات المتحدة وإسرائيل بكسر الاحتكار الإسرائيلي الإقليمي لهذا السلاح؟

أما في الولايات المتحدة فالنفاق والتكاذب على أشده رغم صدمة العراق. فالموسم انتخابي. وهو موسم تحييد العقل والمصلحة الوطنية في مقابل تثبيت المشهد وانتقائية الوقائع التي تبنى عليها الحجة ضد المرشح الآخر والمصلحة الانتخابية. فالمرشحون يتبارون في نقد سياسة بوش في العراق، ولكنهم لا ينبسون ببنت شفة حول مغامرة ممكنة في إيران خوفا من خسارة اللوبي الإسرائيلي، يساره ويمينه. إنه وقت سيء بالتأكيد لقول أي شيء مسؤول وغير مدفوع انتخابيا. حتى استنتاج أي عبرة سياسية من نقدهم لتجربة العراق غير وارد عمليا. منافقون حقيقيون يذكِّرون بلا عقلانية التنافس الانتخابي فيما يتعلق بمصالح الناس وتأثيرها الهدام وغير الموضوعي على عملية صنع القرار.

هنالك إمكانية لضربة أميركية جوية ضد إيران. طبعا هذه الإمكانية لا تعيقها الانتخابات بل هي ضرورية انتخابيا لكسب أصوات الحزب الجمهوري. وهي إمكانية واردة أيضا لأن حلفاء أميركا في المنطقة لا يقومون بتنويرها حول الثمن، ناهيك عن إنذارها من العواقب المتعلقة بهم وبالشعوب. وهذا هو الفرق بين حليفة أميركا الكورية الجنوبية وبين العرب من حلفاء أميركا. فرئيس حكومة كوريا الجنوبية عمل فعلا ضد الحرب على كوريا الشمالية مدركا أبعادها الكارثية في بلاده، وربما ساهم في إقناع حليفته في الولايات المتحدة بضرورة الحوار مع كوريا الشمالية. إيران ليست كوريا الشمالية، فهي تفوقها عقلانية ونظامها أكثر تعددية وشعبها أكثر ألوانا. ولكن جيرانها العرب بالتأكيد ليسوا كوريا الجنوبية، إنهم لا يتقنون هذا النوع من التحالف الساعي إلى التأثير على سياسة الإمبراطورية، بل يروجون قناعة مفادها أن أميركا كلية القدرة ولا معنى لطرح أيَّ تحدٍ أمامها. وبعضهم غير راغب ومتعصب لأميركا أكثر منها. حلفاء أميركا العرب هم أسوأ حلفائها في العالم أجمع، وبعضهم يشجعها على المغامرة.

ربما سوف تشن حرب أميركية على إيران تتلخص بسلسلة من عمليات القصف المدمر. ولكن إيران سوف ترد في اليوم التالي وسوف يصعب التحكم باستمرار الحرب. فمن يوقف أميركا؟ إذا شنت أميركا الحرب فأغلب الظن أن تقتصر على ضربة جوية دون إنزال، ولكنها لن تكون ضربة سطحية تكتيكية، ولن يكون بمقدور إيران في تلك الحالة امتصاص الضربة دون رد. وقد عددنا مناطق الرد.

في تلك الحالة هنالك إمكانية أن تتوسع الحرب لتشمل سوريا ولبنان في نوع من تقسيم العمل مع إسرائيل. هذا سيناريو "ابوكليبسا" حقيقي.
وربما لهذا السبب تحديدا، يمكن أن تفكر أميركا بالخيار الثاني: أن تتولى إسرائيل منذ البداية أمر الضربة الجوية ضد إيران. في مثل هذه الحالة لا تستطيع إيران أن ترد حيث شاءت. ويجب أن ينحصر ردها بإسرائيل، هذا على الأقل ما تراه أميركا. وسوف يكون هنالك من يتدخل ليوقف الحرب. ولأن أميركا ليست متورطة مباشرة فهنالك إذا من يوقف إسرائيل وإيران، فتبدأ مفاوضات حول سلاح إيران ودورها في العراق وغيره. هذه إمكانية أخرى. وأقول إمكانية فقط.

سوف ينشأ هذا الخيار بعد أن تتخلى أميركا عن فكرة شن الحرب وتعرب عن تفهمها لوضع إسرائيل ومبادراتها في مواجهة التهديد الإيراني بنفس واحد. وهي لن تكتفي بتفهم وضعها بل سوف تساعدها علنا وسرا لكي تنال من إيران.

وفي إسرائيل إجماع على هذا الموضوع وإصرار على ترميم هيبة الردع الإسرائيلي دون مواجهة برية من أي نوع بل بالاعتماد على التفوق النوعي الكامل في سلاح الطيران... والاستعداد لامتصاص رد فعل إيراني بالصواريخ.

في مثل هذه الحالة يصعب تخيل ضربة إسرائيلية عسكرية موازية موجهة لسوريا ولبنان.
ولكن من ناحية أخرى لم يجد العديد من المسؤولين الأوروبيين جوابا على ما يلي: لم يستخدم السلاح النووي إلا مرة واحدة، وذلك عندما كانت تحتكره دولة واحدة ولم يوجد ردع وتوازن رعب متبادل. لقد استخدمت أميركا العقلانية الديمقراطية غير الأصولي. حتى دولة بسلاح نووي رادع وغير مستخدم أقل خطرا من مجموعة حركات إرهابية مبعثرة في العالم تملك يورانيوم مخصب بعد ضرب إيران. ربما يجب على الغرب وإسرائيل التعود على فكرة ردع نووي متبادل في المنطقة إذا أصرت إسرائيل على الاستمرار بامتلاكه.

العقل يقول يجب ألا تكون حرب ضد إيران. في حالة العدوان على العراق لم ينتصر العقل ولا المنطق عند اتخاذ القرار. ولا ضمانة أن ينتصر هذه المرة أيضا.